الطموح العثماني الجديد.. القديم وسؤال السيادة السورية: أين العرب من معادلة النفوذ؟
نضال أمون
في خضم الاضطرابات الجيوسياسية المتصاعدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبرز سوريا كنموذج معقد يجمع بين التنوع الجغرافي والسكاني والديني، مما يجعلها بمثابة هدف جذاب للطموحات التركية. هذا الطموح، الذي يظهر جليًا من خلال الخطاب العثماني الجديد، لا يخفي رغبته في إعادة تشكيل خارطة النفوذ في المنطقة. هذا التوسع، الذي أشار إليه الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، بشكل صريح، لا يمكن فصله عن شبكة المصالح المتداخلة بين تركيا وإسرائيل، في ظل تراجع تأثير اتفاقية سايكس بيكو التي حددت حدود المنطقة قبل قرن من الزمان.
تواجه سوريا، التي تعاني من انقسامات داخلية وضعف مؤسسي، تحديًا كبيرًا يتمثل في استعادة استقلالها في ظل هذا الوضع المعقد. يتغذى النفوذ التركي على عوامل عدة، منها القرب الجغرافي، والوجود العسكري المباشر، والتشابك السكاني في الشمال السوري. ومع ذلك، هذا لا يعني أن سوريا عاجزة تمامًا عن تقرير مصيرها، بل يعتمد ذلك على قدرة القوى الفاعلة فيها على إعادة بناء الدولة وفق رؤية سيادية واضحة.
في هذا السياق، يطرح على الدول العربية سؤال حاسم: هل تنحاز إلى المحور التركي، أم تسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها بين القوى الإقليمية والدولية؟ تنظر بعض الدول الخليجية إلى تركيا بحذر، خاصة بعد تدخلها في ليبيا وقطر، بينما ترى دول أخرى فيها حليفًا استراتيجيًا. يحاول البعض الحفاظ على موقف متوازن يراعي المصالح القومية دون الانحياز الكامل لأي طرف. لكن معظم هذه الجهود تظل في إطار رد الفعل، وتفتقر إلى مشروع عربي شامل قادر على إدارة التوازنات الإقليمية برؤية استراتيجية طويلة الأمد. إن تقليص النفوذ التركي في سوريا من قبل إسرائيل، وإن كان يصب في مصلحة بعض الأطراف العربية، لا يكفي ما لم يترافق مع تحرك عربي فعال يستثمر هذا التراجع في بناء نفوذ عربي مؤثر في الملف السوري، سواء من خلال الأدوات الاقتصادية، أو دعم القوى المحلية، أو فرض شروط سياسية تضمن مصالح الدول العربية في مستقبل سوريا.
* المطلوب اليوم ليس فقط فهم ما يجري، بل امتلاك الأدوات اللازمة، وصياغة مشروع عربي مستقل يعيد تعريف التحالفات على أساس المصالح المشتركة، والعمل ضمن إطار دولي يواكب التغيرات الكبرى ويستغل الفرص التي تخلقها صراعات القوى. سوريا ليست مجرد ساحة صراع، بل هي مرآة تعكس قدرة العرب على استعادة زمام المبادرة، أو الاكتفاء بدور المتفرج في مسرح إعادة تشكيل المنطقة.