كاد يطلق النار.. فتذكّر انتماءه
السويداء- معين حمد العماطوري
في إحدى مجموعات "الواتس اب" التي أشارك بها، والمعروفة باسم (ملتقى أبناء الريان الاحتياطية) التي يُشرف عليها الصديق فيصل خليفة من قرية رساس، تتضمن المجموعة أفكارا وأراء لأعضاء بها ينتمون الى مشارب ثقافية متنوعة، ولكن استوقفتني رؤية تاريخية تحمل في مضمونها معنى الانتماء، رغم ما يكتنف أحيانا حامل السلاح من فقدان الشعور بالحس الانساني والوطني خاصة اذا كان مدرباً وموجهاً على القتل والابادة والحقد الطائفي، فإن سلوكه ومسلكه لا يجتمعان ضمن بيئته الاجتماعية أو إرثه التاريخي، بل نتيجة لسلوك مكرر وتدريب يومي في زرع تنفيذ هدف لحظوي قد يدفع عمره لقاء ذلك، إنما يبقى الأمر متعلقاً بالجينات الوراثية الحاملة للقيم الأخلاقية والانتمائية....
لعل ما أنشره اليوم يدخل في تطابق المشهد بين ما كنا نحلم به وواقع مظلم ظالم.... وربما الماضي استطاع إبراز الانتماء مؤكداً على القيم الانسانية أفضل مما نحن فيه من أفعال وأعمال الإرهاب والإرهابيين وممارسة حروب الإبادة الطائفية....
الأهم إن ناشر المعلومة في مجموعة "الواتس اب" وللأمانة العلمية لا أعرفه، فقط هو عضو في المجموعة المُشكلة آنفا، وانما موجود رقم هاتفه فقط...
لقد أدهشني ما يتضمن هذا البوست من معلومات تاريخية لشخصيات وطنية وتاريخية شكلت في ذاكرتنا الانسانية والوجدانية علامة فارقة في التاريخ المعاصر... ولا يمكن لأي منا مهما اشتدت الظروف عليه من محن وتنكيل وقتل وإبادة كما حدث للسويداء من قبل عصابات الارهاب والقتل بمجازر سيشهد التاريخ القادم إنها حقا مجازر بحق الانسانية والانتماء، وفق ما أقرته منظمات دولية تعنى بحقوق الانسان وتوثق جرائم الحرب والمجازر بأسلوب وطريقة عالمية، وقد أقرت العديد من المنظمات التي سمح لها الدخول والتوثيق من قبل عصابات الارهاب وكونت انطباعا بذلك... إلا ان المرء بأصغريه (قلبه ولسانه)...
الموضوع:
لقد انتشر الموضوع في المجموعة حول موقف الجبل في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وما تعرض له الجبل باختصار مع وقفة وجدانية لحادثة تاريخية لشخصية وطنية حملت الرؤية بالعنوان التالي:
("الدروز… بني معروف…
أهل الجبل الذين حملوا السلاح يومًا دفاعًا عن الأرض، وحملوا راية السلم والإخاء دائمًا. من قلب تاريخهم، تخرج حكايات تذكّرنا أن الدم السوري واحد، وأن لا سلاح ولا حرب أقوى من المحبة والانتماء.
في فبراير عام 1954، وبينما كانت سوريا تغلي بالاضطرابات، أرسل الرئيس اديب الشيشكلي جيشه إلى جبل العرب لإخماد الحركة الديمقراطية واعتقال القائد الوطني سلطان باشا الأطرش.
حينها، تجنّب سلطان باشا المواجهة مع أبناء وطنه، وقرر مغادرة البلاد مؤقتًا نحو الأراضي الأردنية، حتى لا يُسفك الدم السوري بيد السوري.
في ذلك الوقت، كان فضل الله بك الأطرش، رجلًا مريضًا طريح الفراش، لا يقوى على مغادرة منزله.
وصلت دورية من الجيش إلى قريته البسيطة، واقتادته إلى ساحة الدار في برد شباط القارس، عصبوا عينيه، ووجّهوا إليه تهمة إخفاء سلطان باشا.
اقترب أحد الجنود مهدّدًا:
"دلّنا على مكان سلطان وإلا أطلقنا النار عليك."
المشهد كان متوتّرًا حتى خرجت امرأة من البيت مذعورة وهي تصرخ: "يا أبو إبراهيم!".
اعتقد الجنود أن "أبو إبراهيم" مقاتل مختبئ بالسلاح، فركض قائدهم يأمر جنوده: "أحضِروا أبو إبراهيم!"
ضحك فضل الله وسط هذا التوتر، فسأله الضابط بغضب:
"أتضحك والموت فوق رأسك؟"
أجابه فضل الله بثبات:
"أضحك لأن من حقكم أن تفعلوا بنا ما تشاؤون… نحن من حرّر سوريا، حوافر خيولنا وصلت غوطة دمشق وراشيا وحمص وحماة وحلب. هذه مكافأتكم لنا؟"
فأجابه الرقيب ساخرًا:
"أنتم كنتم تدافعون عن الأبقار التي تحرثون عليها! أعطني اسم ثائر واحد من الغوطة… أنتم الدروز كل واحد فيكم عامل حاله بطل."
ابتسم فضل الله وقال بهدوء يقطر كبرياء:
"اسمع يا بني… وسجّل عندك. إن أردت أن تعرف حقيقة جهاد بني معروف، هذه أسماء من قاتلوا معنا في معارك الغوطة:
مصطفى بيك وصفة، نزيه بيك المؤيد العظم، أبو فهد الجوبراني، جمعة سوسق، محمد شمدين، أبو عبدو سكر، محمد الأشمر، أمين رويحه، توفيق القصيباتي، محمد المهايني، عبد الغني نجيب، حسن مقبعة، حسن الخراط، أبو عبدو الشيخ، شوكت العائدي وإخوته الأربعة، خيرو اللبابيدي، وشخص من آل السمان…"
توقف لحظة يتذكّر ثم أضاف:
"كان معه ابن عمٍ استشهد معنا في إحدى معارك الغوطة، دفناه تحت شجرة كبيرة قرب ساقية ماء… تحت وابل الرصاص، رفضنا أن نترك جثمانه للوحوش."
لم يتمالك الرقيب نفسه، ارتمى على صدر فضل الله يقبّل رأسه ويديه، ثم همس باكيا:
كان اسمه احمد السمان... هذا أبي سامحني يا عم... والله لو قطعوا عنقي لن يمسكم أحد.
هذه ليست قصة منسية من تاريخ سوريا، بل حكاية تذكرنا أن الأرض التي رواها الشهداء بكل انتماءاتهم لا تعرف طائفية ولا حدود..
من الارشيف القديم)
فماذا عسانا نقول اليوم بين مؤيد للانفصال ومطالب بالاستقلال بمبررات منطقية بعد ان تكالبت على السويداء المحافظات السورية عدا القلة منها، معلنين الجهاد على أبناء جلدتهم، تحت فتاوى طائفية بغيضة... وبين معارض لذلك والعودة الى حضن الوطن، ولكن بعد سقوط الطاغية ونظامه المستبد.... بين هذا وذاك نقف على عتبة: هل لدينا قدرة على مسامحة من قتل وفتك واغتصب وأحرق المنازل؟
هل لدينا المقدرة على العمل لهدف مشترك بعد اليقين إن خنجر الحقد الطائفي مغروس في صدري؟
أم علينا أن نتعالى على جراحنا لأجل الوطن... وهذا بعد تجارب عديدة عبر التاريخ بات ضعيفا عند النسبة العظمى...
ربما تخفي الأيام لنا ما تريد الإرادة الدولية، سواء كنا في وفاق أو في اختلاف.... وفهكم كفاية