من أجمل قرية إلى أجمل جزيرة
د. جوليان بدور
في عام 1981، غادرت قريتي الصغيرة في سوريا، تلك القرية البسيطة والهادئة، لكنها غنية بجمال طبيعتها، ودفء مناخها، وأصالة قيمها، وصفاء وطيبة أهلها. لمتابعة دراساتي العليا في فرنسا.
قضيت السنوات الخمس عشرة الأولى في تعلم اللغة الفرنسية، والبحث العلمي، وكتابة أطروحة الدكتوراه في الاقتصاد. وفي عام 1992، نلت شهادة الدكتوراه بدرجة امتياز، وتم قبولي في مسابقة للتدريس والبحث الجامعي والتقديم إلى الأماكن الشاغرة بالجامعات بفرنسا. لكن، وعلى مدار أربع سنوات تالية، سعيت جاهدًا لإيجاد فرصة عمل جامعية في فرنسا دون جدوى.
تلك السنوات كانت الأصعب في حياتي؛ حيث بدأت أفقد ثقتي بنفسي، وأتساءل عن أي مستقبل ينتظرني. لكن، وفي اللحظة الأخيرة، وعندما كنت على أعتاب الأربعين من عمري، ابتسم لي القدر وقُبلت كباحث وأستاذ جامعي في جامعة جزيرة ريونيون الفرنسية.على بعد حوالي 10,000 كم عن باريس أو ما يعادل ١١ ساعة بالطيارة قررت السفر والاستقرار بهذه الجزيرة في مثل هذا اليوم 06/09/1996
ريونيون جزيرة صغيرة ومعزولة، مساحتها لا تتجاوز 2,500 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها نحو 900 ألف نسمة. تقع في قلب المحيط الهندي، قرب جزيرة موريشيوس الشهيرة.
لم تكن البداية سهلة، بل كانت قاسية وصعبة. بقليل من المال، وبعيدًا عن الوطن والأهل: ينتابك شعور بالحزن والوحدة وتتساءل لماذا جئت واستقريت في هذا المكان الغريب العجيب. لماذا تركت كل شيء خلفي؟
لكن، كما يقال: بعد الضيق يأتي الفرج. في الحقيقة الجزيرة جلبت لي الحظ وفتحت أمامي أبواب النجاح. شعرت بالرضا والمتعة في عملي الأكاديمي كباحث وأستاذ. ثم اشتريت قطعة أرض، وبنيت فيها بيتًا يمزج بين الطابع الشرقي والغربي، يشبه إلى حد كبير بيت قريتي، محاطًا بحديقة زرعت فيها كل ما يذكرني بسوريا الحبيبة: أشجار التوت والدوالي، وخاصة الورد الجوري والياسمين.
ومع مرور الوقت، اكتشفت أن جزيرة ريونيون ليست كغيرها من الجزر. إنها جزيرة توصف "بالماس الأسود" و"البركان الثائر". الجزيرة تتميز ليس فقط بطبيعتها الساحرة، ومناخها الاستوائي، وجبالها الشديدة الإنحدار، وشواطئها الخلابة، بل أيضاً بتنوع سكانها وتسامحهم وتعايشهم في تناغم وإنسانية قلّ نظيرها.