عاد الرجل، لكن "الأخوان" لن يعودوا أبداً..

شعبان عبود

في أحد أحياء لندن الهادئة، التقيتُ بعلي صدر الدين البيانوني، الرجل الذي كان يومًا المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وأحد أبرز وجوه المعارضة الإسلامية للنظام السوري. كان اللقاء محمّلًا بالذاكرة والمنفى والخذلان، وأيضا بمراجعة لتجربة تخللها عنف كثير وحيزُّ سياسةٍ أقلّ، لكن بنفس الوقت كان هناك خلال الحوار، شيء من أمل عند الرجل المريض والطاعن في العمر بعد انطلاق الثورة السورية، وبأسئلة لم تهدأ رغم السنين.
تحدث البيانوني بهدوء الشيوخ، لكن بحماس لا يزال يشتعل في عينيه، عن التجربة الطويلة للإخوان في سوريا: عن السجون، عن الصراع المسلح، عن المفاوضات مع النظام، عن الأمل الذي كثيرًا ما خذلهم، وعن الخسارات التي راكموها في المنفى.
اليوم، يعود البيانوني إلى سوريا. بعد عمر قضاه في المنافي، في مواجهة نظام سقط أخيرًا، وإن بعد دمار هائل. لكن عودته لا تأتي في لحظة نصر، بل في لحظة انكشاف. فالجماعة التي قادها، والتي كانت ذات يوم رقماً صعباً في المعادلة السورية، تواجه اليوم واقعًا جديدًا، لم يعد فيه مكان لمشروعها ولا لخطابها، ولا حتى لبنيتها التنظيمية.
اللافت أن من دعا الإخوان لحلّ أنفسهم ليس خصمًا أيديولوجيًا، بل مستشار رئيس الجمهورية، وهو مستشار من خلفية أخوانية. عاد البيانوني إلى سوريا، لكن من دون تنظيم وجماعة شكّلت هويته، عاد فقط كرجل طاعن في العمر ومريض، عاد فقط كمواطن أتعبته المنافي. عاد فيما صفحة تُطوى، وفي لحظة بدا فيها أن التاريخ السوري قد صفّى حسابه مع الآيديولوجيات والتنظيمات والأحزاب الشمولية كلها سواء كانت إسلامية أم قومية أو يسارية..
عاد البيانوني… لكن الإخوان لن يعودوا. عاد الرجل، والرفاق تبعثروا. وانطوت صفحة، صفحة يبدو أنها أُغلقت و لن تُفتح أبداً.