غابات سورية

ناديا خوست

تحرق قلوبنا حرائق الغابات السورية. كانت تلك الغابات تهبنا السعادة في الرحلات أيام الصبا، والفرح أيام الشباب. تفاجئنا بطبيعة أخرى تختلف عن غوطة دمشق، تشبه سويسرا والغابة السوداء والقفقاس. كالمكتشفين سافرنا إلى البسيط يوم كان فيه فقط مقهى صيادين، وشاطئ ممتد دون بناء، وغابات. كنا مجموعة من الخريجين عادوا في تلك الأيام إلى الوطن، وبين ما تعلموه عطلة يمضونها في الطبيعة. نمنا على الرمل، وغفونا على صوت الموج، سبحنا في بحر شفاف، واغتسلنا في جدول بين الأشجار. ومنذ ذلك اليوم تعودنا اكتشاف ثنايا جبالنا الخضراء، وبلداتها المضيافة، والعودة منها محملين بالأفراح.
على طرف الطريق بين النبعين وكسب سد صغير من الحجارة، يستريح عليه المارون كأنه محطة بين البلدتين، كنت أجلس عليه أحياناً وأطل على الجبال الخضراء والوديان. أتأمل بمتعة مدرجات التفاح التي تتداخل في الأحراش. وأشعر بالأسى لأنها تأكل الغابات، لكن النسيم ينفخ خشيتي على أشجار الصنوبر، وينقلني إلى مدى يمر فوقه الضباب، وسلاسل الجبال الخضراء المتدرجة حتى الأفق. وكأني أكتشف كيف تتداخل الألوان في انسياب، ويأخذ بعضها من بعضها. وكأن العين تكتشف فجأة تموجات لون واحد فيه نغمات متنوعة، والفطرة السليمة التي جعلت الفلاحات يلوّن ملابسهن ليمتد الربيع بعد أن يذبل زهره.
استلقيت على السد الصغير. فملأت وجهي سماء فيها غيوم بيضاء، وألوان باهرة الزرقة، لم أرها من قبل في أية سماء. فتحت عيني، مع أني كدت أدوخ وأقع من زرقة إلى زرقة، وانهمرت عليّ الزرقة موجات إثر موجات. وكما يتذكر إنسان أحياناً حياته أو يلتقط خطوطها الواسعة أمام خطر كبير، تذكرت وأنا أقع بين زرقة وزرقة، أني كنت أبحث وأنا طفلة عن هذه الرعشة أمام المدى، وعن الخوف الذي نحبه في البحر، فأستلقي على ظهري على سطح البيت القديم، لأحدق في السماء، وأقفز بين النجوم في كون لا توقفني فيه حدود.
البرد والسلام للغابات السورية! السلام لأهل بلداتها المضيافين! والامتنان لكل من يطفئ حرائقها!