مقاربة أخرى للمسألة الطائفية في سوريا
الدكتور اليان مسعد
إن ما يراه بعضهم للمسألة الطائفية في سوريا على أنه ظاهرة في غاية السلبية، نراه نحن شيئاً لا يخلو من الإيجابية إذا أحسنا فهمه:
فالطائفية الحادة التي نلمسها في سوريا اليوم. هذه الطائفية التي قد تبدو مغرقة في حدتها، هي الانعكاس الحقيقي للتعددية التاريخية السورية. فالتعددية السورية التي وجدت في الطائفية الدينية منقذا و منفذاً مفضل لإطلاق كوابحها ومكنوناتها المكنوزة قديماً، فلأن النضج البشري العقلاني القديم لم يكن قد وصل إلى سن الرشد الذي عرفه العالم حاليا خاصة بعد عصر الأنوار، لم تحظ بما تستحق من منافذ تتيح لها التعبير الحضاري عن ذاتها. في كل دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تعددية طائفية غير سياسية لكنها من ناحية أخرى غير أصيلة، بمعنى أنها لم تنشأ على أرضها الحقيقية لذا لم تكن متجذرة بقوة ما هو موجود عندنا، ومن ناحية أخرى، لعبت السياسة العقلانية في تلك الدول في إفراغ التوتر الطائفي من شحناته السلبية عبر تحويله إيجابياً إلى تنافس سياسي.
المسألة الطائفية السورية، التي تبدو مشكلة عصية على الحل اليوم، هي قضية معرفية أولاً وأخيراً وحلها لا يكون بغير المعرفة. فالطوائف السورية بنظرنا هي نوع من التواصلية لتراث قديم كانت له مميزاته الخاصة، ثم حاول الانسان لدينا ادامة تلك الميزات عبر إعطائها الصبغة الدينية-الطائفية؛ إن ثقافات الطوائف التي كانت دوما تعبير عن هوية ما هي الغنى الأهم في التراث المعرفي السوري، لأنها كما قلنا الاستمرارية ذات المظهر الديني للتيارات الثقافية والشخصيات الشعبية التي ظهرت في سوريا منذ زمن مغرق في القدم وهنا نتكلم عن آلاف الأعوام وليس المئات، لكن الاستمرار في مقاربة الطوائف ميثولوجياً في زمن العقلانية هو خطأ معرفي لا يغتفر.
والحلّ الأمثل لمعضلة الطائفية التي تبدو عصية على الحل حتى اليوم هو الدخول فيها من باب التراث الثقافي لا الانتماء الديني أو المذهبي. ومناقشة الطائفية كقضية ثقافية تراثية ومعرفية لا كمسألة غيبية، وهذا لا يتم إلّا عبر تقديم التراث الأدبي والمعرفي والفولكلوري الغني للطوائف، بشكل علمي حيادي، لكل طائفة على أساس أنه عنصر مكون و تكويني ساهم ويساهم في بناء الهوية السورية.ونعتز بهم جميعا.