من بوابة التاريخ إلى أفق المستقبل في مسار النضال الفلسطيني
فتحي الذاري- اليمن- فينكس
إن الأحداث المتسارعة التي شهدتها فلسطين على مر العصور، تحمل في جوفها قصصًا مشوقة تشبه أساطير الزمن، إذ تتداخل فيها معاني الجهاد، والخيانة، والصدق، الكذب، والنور، والظلام. لنستجمع خيوط هذه السردية، بدايةً من بلعم باعور الذي أغواه إبليس، والذي كان من أتباع موسى عليه السلام، وتجربته في مد اليد للملوك ونبذ عبادة الله بلعم، ذلك الرجل الذي تذكره السير، كان يحمل مشعل الهداية في يده. لكن، حينما وصل إلى نداء الملوك، أغوته الشهوات وزخارف الدنيا. هل كان بإمكانه أن يقاوم إغواء الملك الذي وعده بالجاه والمال؟ أليس في ذلك درسٌ يلخص صراع الإنسانية بين الهدى والضلال؟ أختار ترك دين موسى والتضحية بقيمه من أجل متاع الدنيا الزائل. تسلطت هذه الحكاية عبر العصور، تُعيد نفسها في قصص الزعماء الذين تخلوا عن مبادئهم لأجل المغانم.
القدس رمز الجهاد والمقاومةتجسد فلسطين، بواقعها المرير، تلك القصة القديمة مجددًا. لقد رفع الشعب الفلسطيني راية الجهاد، مؤمنًا بأن هذا هو الخيار الوحيد الجذري. تتجلى القومية العربية اليوم في مقاومة المحتل والدفاع عن المقدسات الإسلامية، والشعب الفلسطيني يناضل لأجل المسجد الأقصى، ليظل رمزًا للحرية والإيمان رمز النضال العربي والإسلامي.
عندما أشرقت شمس جمال عبد الناصر، كان الأمل يرفرف في سماء الأمة العربية دعا إلى الوحدة والتضامن، داعيًا الشعوب للوقوف صفًا واحدًا ضد الظلم. لكن، بعد رحيله، ظهرت ظواهر تثير القلق، إذ استمر الانحدار في الهمم. جاء أنور السادات، وبدلًا من متابعة طريق النضال، أعطى الأولوية للجاه والشهوات، ولمسار سهل نحو السلام المزعوم مع الاحتلال، مؤكدًا على أن المال والشعار الأجوف قد يعمي البصائر.
مأساة الخيانة التجربة المريرة للسلام حيث برزت أعمدة الخيانة أمام أعين الأمة، حيث أعطى السادات الضوء الأخضر للتطبيع، وبدأت مرحلة مأساوية تلخص غياب الإرادة الحقيقية للحرية. ففي مشهد مؤلم، تركزت الأنظار على الشخصيات التي اختارت السلام مع من يعتدي على حقوق الأفراد والأوطان، في بداية عهد بات يحمل في طياته المزيد والمزيد من الظلم والمعاناة.
صراع النور والظلام بين الإيمان والخيانة لقد تتبع أولياء الشيطان من زعماء الأمة، درب البلاء والكذب، تاركين إخوانهم في غزة ولبنان في جحيم المعاناة لقد شهدنا كيف أضعف التخاذل من موقفنا العربي والإسلامي، وكيف أن الأحقاد والأطماع طغت على معنى السلام. يبدو أن اتفاقات السلام مع غطرسة المحتل الأمريكي لم تكن سوى مسار يؤدي إلى مزيد من الكوارث.
نحو المستقبل شعلة المقاومة والنجاح لكن في خضم هذا الظلام، هناك نور يُشرق إذ يصر المؤمنون والمجاهدون في محور المقاومة على نصرة غزة والمسجد الأقصى. إن الآفاق تتغير، والقلوب تشتعل مرة أخرى بالثقة والعزم. لا يزال هناك وبشكلٍ ملحوظ، من يؤمن بأن الجهاد في سبيل الله هو السبيل لتحقيق الحرية والعدالة.
إن الجداول المتزاحمة في أحداث التاريخ تشكل خطوطاً من الجهاد والأمل. تلك الحكايات القديمة والعبر المستفادة، تمثل صراع الإنسان بين الخير والشر.. الله عز وجل لا يبدد الحقوق، بل يوقظ المؤمنين من سباتهم، فيسطرون إذن قصة جديدة لنضال المستضعفين في الأرض ورفعة الأقصى. التحديات لا تنتهي، ولكن النضال الأصيل ضد كل ظالم يجب ألا يتوقف. إنها رحلة مستمرة في البحث عن الحق وإعادة الحق لأهله. إن شعلة الجهاد المشرقة تدق على أبواب المستقبل، عازمة على استعادة المقدسات ورفع راية الكرامة.