الطواطم المقدّسة..

سمير جبارة- فينكس:

تقديس الأسلاف أو التعبّد إليها يشكّلُ جزءاً هاماً من الحياة الدينية للقبائل البدائية..
كثيرًا ما نُسِجَت أساطير حول قدرات خارقة لأسلاف ماتوا..
و رُوِيَت حكايات حول أخلاقيات لأسلاف مضوا تصل إلى قمم لا يمكن مقاربتها في الأجيال التالية..
تحوّل هذا السلف إلى طوطم.. و اعتُبِرَ بالتالي رمزاً للقبيلة/العشيرة..
ما زالت مجتمعات منطقتنا تحمل هذه الصبغة التي ورثتها عن القبيلة البدائية..
من هذه النقطة ظهرت الحركات السلفية الدينية (تقديس الصحابة و الأولياء الصالحين لدى المسلمين و القديسين و الطوباويين لدى المسيحيين)..
لم يقتصر الأمر على الدين.. بل انعكس على السياسة أيضاً..
صفحات عديدة على الفيسبوك تمّ إنشاؤها فقط لتمجيد "طواطم" عهد الاستقلال الأول في سوريا و اعتبارهم "السَلَف المقدس"..
يقوم كتبةُ هذه الصفحات بإبراز و تضخيم موقف معيّن في تاريخ هذه الشخصيات و تناسي أخطاء كثيرة (بعضها مشين) ارتكبتها عن قصد أو عن غير قصد..
و يقومون بإجراء مقارنات بين رجال الحكم "الحضاريين" أولئك و بين رجال الحكم الحاليين.. و تكون نتيجة المقارنة بالطبع لصالح "الطواطم"..
في مصر أيضاً.. نجد الكثير من الكتاب المصريين ينظرون بتقديس إلى رجالات الحكم الملكي و يقارنون بين الرجالات "الحضاريين" الذين كانوا في الحكم آنذاك و بين الحكّام "المتخلفين الريفيين" الذين أتوا في عهد لاحق..
في لبنان نجد الأمر نفسه .. تقديس الأشخاص الذين ذهبوا إلى بشامون.. أو تقديس أشخاصٍ و المبالغة في وصف شجاعتهم و حكمتهم و هم في الواقع لم يكونوا سوى أتباع للأوروبي أو للعثماني أو حتّى للإسرائيلي..
يتناسى هؤلاء الكتّاب السوريون و المصريون و اللبنانيون طبعاً أنّ المظاهر الحضارية التي يتحدثون عنها بحنين في فترات حكم "الطواطم" لم تكن تتجاوز بضعة الشوارع في دمشق و حلب و القاهرة و الاسكندرية و بيروت التي كان يقطنها أولئك "الحضاريون"..
أما آن لنا أن نخرج من "طوطمة الأسلاف" التي كانت تصلح لقبيلة بدائية تعيش قبل ألف سنة..
أما آن لنا أن نطرق باب العصرو نفكّر بالمستقبل بدلاً من تقديس الماضي؟