ذاكرة الوجع
جورج شماس- فينكس:
في إحدى المرات سمعنا أن الأتراك أرسلوا حلفاءهم إلى القرية ليذبحو الرجال والنساء والأولاد، تجمعنا في مبنى الكنيسة، و بعد مشاورات قام بها الرجال قررنا أن نترك بيوتنا ولحافنا وطناجرنا وضحكاتنا وقططنا وعطر أزهارنا وأن نهرب ليلا على الطريق الموازي للنهر، حتى لا نضيع، و نبقى مع بعضنا البعض حتى النهاية.
كانت في تلك الفترة الأراضي مملوءة بالشوك..
بعد جهد دخلنا إلى حقول القمح، التي كانت تغطي أجسادنا نصف العارية، نمشي عشرة أمتار ونتوقف قليلاً..
لحسن حظنا كنا نسمع الدجاج الذي عندما يعرف أن هناك خوف من ذبحه يصرخ، كذلك الحمير والبقر والغنم التي عندما تقاطع علفها ونومها وأحلامها تملأ الكون بأصواتها. وهذا كان كافياً ليغطي آهات الألم التي تخرج من أقدامنا الحافية، وهي تنزف على الشوك اللعين في تلك السنة.
وصوت ذلك الطفل الملعون الذي إختار الشيطان ذلك اليوم اللعين ليولد به،
و كلما كنا نبتعد عن مقابر أجدادنا كان بكاء الطفل يدوي في ذلك الليل القاتم وكنا ندعو بصمت لإلهنا أن لا يستيقظ القمر ويفضح رعب أرواحنا التي تتوق للحياة بكل مآسيها.
هذا الشيطان يحتاج إلى رضاعة، وشوش أحدهم إلى أمه..
ضعي حلمة صدرك في فمه..
لقد وضعتها ولكن يبدو أن صدري ليس مهيأ بعد. لإشباعه.
أعطيه إلى المرأة جانبك، وبعدها إلى جانب جانبها، يمكن الملعون ولد جوعان متل أبوه الجوعان دوماً.
لم يسكت الملعون..
راح يكتشفونا.. اعملوا أي شيء لإسكاته
نطت إمرأة ختيارة، من الخلف:
أعطوني الطفل فأنا عندي خبرة كافية، أطعمت نصف أطفال الضيعة، أخرجت صدرها المترهل، و وضعت حلمتها المختفية في فم الطفل، وبدأت بالصلاة،
أبانا الذي في السموات، ليتقدس أسمك..
تقدمنا لساعات حتى صمتت أصوات الدجاج والحمير والبقر والغنم، و بكاء الطفل..
كنت تسمع فقط خرير مياه النهر، و صلاة المرأة وهي تتمتم:
لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك في الأرض..
بعد قليل، أشرقت الشمس إستلقينا بأجسادنا المنهكة على سنابل القمح الخضراء التي جعلنا منها فرشة لإراحة أجسادنا التعبة..
أين طفلي، سألت أمه!
مات طفلك..
فتحنا حفرة صغيرة، لفينا جسده بسنابل القمح، ووضعنا فوقها أشواك وعليها دماء أرجلنا..
وقبل أن ننام، سمعنا صوت الإمرأة الختيارة، وهي تقول:
آمين!