من ذاكرة الفقد و الأسى

محمد الوزيري- المغرب- فينكس

بين بهجت سليمان الدكتور و بهجت سليمان الجنرال و بهجت سليمان السفير و المناضل و مقاتل الميدان تتآلف خيوط الحب النقي الذي لم تخالطه رواسب الزمان، لذلك منح الكثير منه لمن حوله، سواء شاركه الفكرة أو عارضه، لأنه كان يُحكّمُ شعرة معاوية بينه و بين خصومه دائما، فإن شدوها أرخاها و إن أرخوها شدها بحب أصيل و خالص..
بعد سنة و نيف من رحيلك عنا جسدا لا روحا، تظل كلماتك مسطورة في وجداننا الذي يرفض الأفول، منحوتة في ذاكرتنا التي تأبى النسيان..محمد الوزيري
بهجت سليمان، القامة الوطنية و العربية العروبية.. كيف أنسى؟!.. لقد كنت غارقا في بحر لجي من الأحداث المتتابعة، أردت أن أعرف ما يدور حولي، أردت أن أخطو الخطوة الأولى في مسار التعبير عن الموقف السياسي، لكنني وجدت أفكاري مبعثرة متناثرة على ضفاف التيه.. فأخذ بهجت سليمان بيدي إلى النور المشع في آخر النفق.. لم أصدق أول مرة حين وجدت مقالا لي على صفحتك مرفوقا برأيك الداعم و المشجع و المصحح.. كان عمري حينها ثلاثة و عشرين!.
كيف ينزل العملاق من صهوة حصانه العالي ليربت على كتف مبتدئ في السياسة مثلي؟!.. إنه حب عيسى لحوارييه الذي كان المبدأ الذي سار عليه بهجت حتى آخر يوم في حياته. فلما أطفأ شمعته الأخيرة و أغمض عينيه إلى الأبد، كان كأنما انتزع الروح الثانية من جسدي، لأني كنت أحيا بشيء منها. بهحت سليمان الجنرال و السفير و الدكتور و الخبير، كان كل ذلك.. و لكنه لم يعاملني يوما إلا ببهجت سليمان الأب..في التصويب و التصحيح و الدعم و النصح و الاطمئنان.. و لن أنسى المرات التي كبوتُ فيها و شمت فيَّ الآخرون، فكان السند و المنافح عني، يذود عني بأعلى صوته ليجعل لي مكانا في القمة التي لطالما أخبرني بأن مكاني المناسب لا يوجد إلا فيها!.
لقد كان رحيلك غير المنتظر جرحا عميقا لم تنفع معه معقمات الكلام ليندمل.. فقدانك هو فقدان ركيزة و ركن، و كأن النفس لا تثبت إلا على ثلاثة أثافي، فكنت أنت ثالثها الذي فقد.. فكيف تثبت و تستقيم؟!...
إن عديد الأيام و الليالي، و طول السنين و العقود لن يمحي ذكراك في وجداني ما حييت أيها السند العظيم.. لم يكتب لنا اللقاء الذي كان قريبا في الدار الفانية، و لكنه سيكون في دار الخلود بإذن الله مع صف الصادقين و الصالحين الذين ضخوا دماءهم و مداد أقلامهم في شرايين هذه الأمة المنهكة..
رحمك الله و خلَّدك في الصالحين.