كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

فرص الاتفاق تنعدم، والمنطقة على أبواب المرحلة الثانية من الحرب

أحمد رفعت يوسف- فينكس

 لن يكون هناك أي توقف للقتال في فلسطين المحتلة.. لأن ما من طرف لديه الاستعداد، او القدرة، للموافقة على شروط الطرف الآخر ودفع الثمن، ولان الوضع له تداعيات أبعد بكثير من قطاع غزة، ليصل إلى ملفات إقليمية وعالمية، لها علاقة بساحات الاشتباك العالمية، وخاصة مع روسيا في أوكرانيا، ومع الصين حول تايوان، والصراع الأمريكي الصيني على قيادة السياسات والاقتصاديات العالمية، وعلى الدور الإيراني إقليمياً، وأيضاُ حول الصراع، بين المشروع الصيني (الحزام والطريق) والممر الهندي الأوروبي، عبر دول الخليج، وله علاقة أيضاً، برسم موازين القوى والقوة، في المنظومة الاقليمية والدولية، التي تتشكل على الساخن والبارد.
الفشل في التوصل إلى اتفاق، وانسداد الأفق، وما يجري في البحر الأحمر، وجنوب لبنان، يؤكد هذا المسار، وأننا لا زلنا في المرحلة الأولى من الصراع، وأن الامور تتدحرج، للدخول إلى المرحلة الثانية، والتي تعني فتح جبهات القتال، في أكثر من ساحة ونقطة اشتباك.
في حال تم فتح جبهة الجنوب بشكل كامل، هذا يعني أن الأمور وصلت إلى مرحلة اللاعودة، لإمكانية تحقيق أي اتفاق لوقف القتال، وان باقي الجبهات ستفتح، وان القتال لن يتوقف، حتى يحصل انكسار لأحد الأطراف.
الوضع اليوم، يؤكد أن حكومة نتنياهو، ليس لها مصلحة في وقف القتال، ولا تستطيع الموافقة على شروط المقاومة، لأنها ستسقط فور موافقتها على أي اتفاق، وستبدأ سلسلة من التحقيقات، حول فشلها في منع عملية "طوفان الأقصى" وفي تحقيق الأهداف من العد.وان، وسيعاد فتح الملفات المتوقفة بحق نتنياهو، والتي ستوصله إلى السجن.
والولايات المتحدة التي تشارك بشكل مباشر في إدارة العدوان، والمشاركة في تنفيذه، لا تستطيع بدورها إعطاء الضوء الأخضر لأي اتفاق، وتمنع حتى إدانة العدوان في مجلس الأمن، لأن هذا يعني انكسارها، وهذا سيؤثر بشكل مباشر على صراعها موقعها ومكانتها العالمية، وعلى صراعها مع الصين وروسيا وإيران.
وللخروج من هذا المأزق، يحاول الإسرائيليون والأمريكيون، إيجاد حلول تبدو غير مجدية، تارة في تنفيذ إنزالات جوية، للمساعدات إلى الأهالي في قطاع غزة، او محاولة إيجاد منصة بحرية، بحجة يصال المساعدات إلى القطاع، مع استمرار العدوان الوحشي، للوصول إلى محاولة تهجير أهل القطاع، إلى سيناء او إلى قبرص ودول اخرى، وتنفيذ مخطط السيطرة عليه بشكل نهائي.
وفي الجانب الآخر، حيث فصائل ومحور المقاومة، فهي ايضا ليست على استعداد، للموافقة على الشروط الإسرائيلية الأمريكية، أو لمنح حكومة نتنياهو، اتفاقا يحقق فيه ما عجزت عن تحقيقه في الميدان.
كما تدرك أطراف محور المقاومة، ومن خلفها الصين وروسيا، أهداف المخططات الأمريكية الإسرائيلية، ولن تسمح بتنفيذها.
في نظرة هادئة لموازين القوى والقوة بين الجانبين، يتضح أن الطرف الإسرائيلي الأمريكي، في وضع أصعب في هذه الحرب، فالحكومة الإسرائيلية، تدرك أنها تخوض حرب وجود، وليس مجرد جولة من جولات الصراع، والأصعب في هذه الحرب، أنها تخرج عن كل قواعد العقيدة الإسرائيلية في القتال، التي تقول بخوض حرب سريعة، وفي أرض العدو، وبموازين قوى تحقق فيها السيطرة النارية الكاملة، وبما يجعلها تمتلك القدرة على المبادرة، ووقف القتال، وبجبهة داخلية آمنة، فيما هذه الحرب، تطيح بكل هذه القواعد.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، فقد رأت نفسها متورطة في حرب حقيقية، لم تكن مستعدة لها، وفي وقت كانت تستعد للصراع مع الصين، والأخطر أنها بدأت تواجه مواقف ومفاجآت غير متوقعة، كما يحصل في عجز حكومة الاحتلال عن تحقيق أهدافها، وفي البحر الأحمر، والضربات التي تتلقاها من اليمن (المقاوم) وهو ما بدأ يؤثر بشكل مباشر، على مكانتها الاستراتيجية في العالم، كقطب وحيد يقود السياسات والاقتصاديات العالمية، وفي صراعها مع الصين وروسيا، كما بدأ هذا الصراع يؤثر بقوة على الرأي العام الأمريكي والعالمي، وهو ما ظهر بوضوح، في نتائج الانتخابات التمهيدية لسباق الرئاسة الأمريكية، حيث انعكس الوضع في غز.ة، سلبا على حظوظ الرئيس جو بايدن، والحزب الديمقراطي، أمام منافسه الجمهوري، دونالد ترامب، رغم أنه لن يكون الأفضل من بايدن، في هذا الصراع.
كما لا يمكن تجاهل، الوضع في دول وأنظمة التطبيع، بما فيها تركيا، التي تواجه وضعاً قلقاً، من تداعيات القتال، وتأثيره على استقرارها، وأصبح مصيرها، مرتبط كما حكومة الاحتلال، بنتائج هذه المعركة.
أما أطراف حلف المقاومة، فيبدو أنها في وضع أفضل ميدانيا وسياسيا، وعندها القدرة على خوض معركة بنفس طويل ومتصاعد، وتمتلك رصيدا استراتيجيا كبيرا، لتوسيع القتال، وتحديداً في جنوب لبنان، والضفة الغربية، والبحر الأحمر، إضافة إلى استهداف الولايات المتحدة الأمريكية في سورية والعراق، وهذا ما تخشاه حكومة العدو الصهيوني، والمجتمع الإسرائيلي ككل، والولايات المتحدة الأمريكية.
هو صراع ارادات شرس، وحرب تثبيت لخرائط المنظومة الاقليمية والدولية، التي تتشكل، ولن يتوقف الا في حالتين..
الأولى: حصول تطورات دراماتيكية، تؤدي الى انكسار أحد الطرفين، وتجبره على التوقف، ودفع الثمن الجيوسياسي الكبير، لهذا التطور.
الثانية: وصول القوى العظمى المؤثرة، إلى قناعة بضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات، كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، لتقاسم مواقع النفوذ والسيطرة، بناء على موازين القوى والقوة الجديدة، وما يبدو حتى الآن، أن الظروف الدولية، لم تنضج لحصول مثل هذه الخطوة بعد.
هذا يؤكد أن الكل مأزوم، والكل يتألم، والعض على الأصابع يشتد، ومن سيصرخ أولا سيدفع الثمن.