كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"جو بايدن" سياسيّ فاسد يداه تقطرانِ بدماء الأوكرانيين والفلسطينيين

هادي دانيال- فينكس

ربما من الجائز أن نتساءل: إذا كان أتباع الكنيسة الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة يعتقدون بعودة المسيح الثانية محاطا بالملائكة لإقامة مملكته التي ستدوم ألف عام، ألا يرون بالآلام التي يحملها أهل غزة وأطفالهم الملائكة عودة ثانية للمسيح من خلال أحفاده الفلسطينيين وآلامهم على أيدي اليهود أحفاد قتلة المسيح وبدعم عسكري ومالي وسياسي ولوجستي من الرئيس المسيحي الأمريكي الذي يفاخر بأنه صهيوني.

ونتساءل أيضا عن ردود الفعل التي أثارها الشريط السينمائي "آلام المسيح" للمخرج والممثل الاسترالي "ميل غيبسون"، إذ عرفت صالات السينما الأمريكية مئات حالات الإغماء من مشاهدين لم تتحمل مشاهد تمثيلية لمعاناة من التعذيب الذي لاقاه فلسطينيّ واحد من اليهود القدامى، فكيف يتحملون أبشع وأقسى جرائم الإبادة الجماعية الفعلية قتلا بأحدث الأسلحة الأمريكية وبأشكال التجويع والتعذيب والتهجير التي لم يسبق أن عرفها تاريخ البشرية قديمه وحديثه، خاصة وأنّ هذه الجرائم الإسرائيلية الصهيونية والآلام الفلسطينية مستمرة منذ خمسة أشهر إلى الآن وإلى أجَلِ غير مُسمّى. هل تبلّدّت مشاعر الأمريكيين أفراداً وجماعات إلى درجة العجْز عن تغيير دفة السياسة الأمريكية في بلاد الشام بما يوقف شلالات الدم.

وأولئك "المؤمنون" الإنجيليون ألم يروا في آلام أحفاد المسيح الآن ما يحفزهم إلى إجبار رئيسهم الصهيوني "جو بايدن" على وقف هذه المقتلة المتواصلة والإيذان بإقامة مملكة الألف عام من العدالة التي سيقيمها المسيح الفلسطيني على الأرض؟

ولكن...     

عندما يردد الرئيس الأمريكي الحالي "جون بايدن" أمام المنظمة الصهيونية الأمريكية "إيباك" أنه صهيوني وأنه ليس شرطا على المرء أن يكون يهوديا كي يكون صهيونيا، فهو بذلك يتملق يهود الولايات المتحدة المسيطرين على المال والإعلام كي يضمن نجاحه في الانتخابات الرئاسية القادمة. لكنه في الوقت ذاته  يعبر عن عقيدة ما يسمى "المسيحية الصهيونية" التي تعود جذورها إلى القرن السادس عشر عندما زار القس الألماني "مارتن لوثر" المقر الرسولي في روما فاستفزّه فسادُ الكنيسة الكاثوليكية المتمثل خاصة بفضيحة بيع صكوك الغفران، فقرر أنه سيقود مسارا لإصلاح الكنيسة، وجاهر بقراره الأمر الذي جابهته الكنيسة بطرده منها وتكفيره وعدّه "هرطقة" جديدة، الأمر الذي حدا به إلى الانتقام من الكنيسة التي تُحمّل اليهودَ دمَ المسيح وترى أنّ الأمة اليهودية انتهت بمجيء المسيح وأن خروج اليهود من فلسطين كانت عقابا لهم على صلبه. وكان انتقام "لوثر" والقساوسة الذين التفوا حوله كالقس الإيرلندي "جون نيلسون داربي" الأب الروحي لحركة المسيحية الصهيونية الأمريكية في القرن السادس عشر أيضا، هو التبشير بمسيحية جديدة ذات وظيفة سياسية تروّج لقيام دولة يهودية تزعم أن "الكتاب المقدس" تنبأ بها، وتستعيد عقيدة المسيحيين من أصل يهودي بشأن ما يسمى الإلفية، أي أن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطا بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة. وهؤلاء الذين عُرفوا بالبروتستانت هم مَن ابتكروا مقولة أن "اليهود هم شعب الله المختار"، وزعموا وجود وعد إلهي يربط اليهود بفلسطين، لذا ارتبط الإيمان المسيحي البروتستانتي بعد حركة الانتقام تحت لافتة الإصلاح، بعودة المسيح الثانية المشروطة بقيام الكيان الصهيوني على كل أرض فلسطين. ولايغيّر شيئاً من ارتباط البروتستانتية سياسيا بالصهيونية ظهورُ تيارين في القرن الـتاسع عشَر، الأوّل بريطاني أطلق المقولة التضليلية البائسة" شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" معتقداً بتحوّل اليهود إلى المسيحية قبل عودتهم إلى فلسطين كمسيحيين، والثاني أمريكي يصرّ على أنّ اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود قبل تحولهم إلى المسيحية على يد المسيح العائد. وَخَلَفَ داربي في دعوته في الولايات المتحدة الأمريكية قساوسة مثل "داويت مودي" و"يوجين بلاكستون" لكنّ أكثرهم تطرّفاً كان القس "سايروس سكوفيلد" مؤلّف "إنجيل سكوفيلد المرجعي" عام 1917، وهو الكتاب الذي أصبح بمثابة المرجع الأول للحركة المسيحية الصهيونية، وإليه تنتسب الكنيسة الإنجيلية. وليس صدفة أنه في العام نفسه أعلن وزير الخارجية البريطاني "آرثر جيمس بلفور" وعده المشؤوم بوطن قومي لليهود في فلسطين. وعلى منوال مَن "يتوضّأ بالنجاسة نكاية بالطهارة" ينتقم تيّار من الكنيسة الكاثوليكية باسم الإصلاح ليجد نفسه في خدمة حركة قومية علمانية أسسها ملحد هو "تيودور هرتزل"، وفي هذا السياق أصبح المسيحي المتصهين على غرار "جو بايدن" هو " الذي يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل، بدلا من مساعدته على تحقيق برنامجه الإنجيلي من خلال جسد المسيح". وإذا كان "مارتن لوثر" قد تحوّل من مصلح ضد الفساد إلى منتقم متمرد على العقيدة ومنقلب عليها فإنّ أحد أتباعه المتأخرين "جو بايدن" ليس فقط داعما للمجرم "بنيامين نتنياهو" أكبر الفاسدين في الكيان الصهيوني والمطلوب إلى المحاكم الإسرائيلية بتهمة الفساد قبل أن يُطْلَبَ إلى المحكمة الدولية بتهمة ارتكام جرائم الإبادة الجماعية في غزة الشهيدة، بل إنّ "جو بايدن" عَيْنه إياه متورط في قضايا فساد مذ كان نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ومسؤولا عن الملف الأوكراني. فًعدا عن كونه وراء إرسال "فكتوريا تولاند" مساعدة وزير الخارجية الأمريكية (صاحبة المقولة الشهيرة "ليذهب الاتحاد الأوربي إلى الجحيم") إلى كييف لتطبخ مع سفير واشنطن في العاصمة الأوكرانية انقلاب سنة2014،  فإنه على أعقاب هذا الانقلاب عقد "جو بايدن" وابنه "هانتر" صفقات في مجال الغاز لصالح شركة الغاز الطبيعي الأوكرانية "بوريسما هولدينغ" وباتت Burismaشركة أوكرانية-أمريكية، ويحصل منها "هانتر بايدن" ما يصل إلى 50 ألف دولار شهريا. والمفارقة أنه في ذلك الوقت تحديدا كان نائب الرئيس الأمريكي آنذاك"جو بايدن" (والد هانتر بايدن) يشارك بحماسة  في أعمال "مكافحة الفساد في أوكرانيا"، فقد حشد "جو بايدن"  قادة غربيين آخرين للدعوة إلى إقالة كبير المدّعين العامّين في البلاد، "فيكتور شوكين"، الذي كان "بايدن" يتهمه بعرقلة تحقيقات الفساد المزعومة. بينما الحقيقة كانت أنّ "شوكين" كان قد اتهم شركة "بوريسما هولدينغ" بالفساد. وبالمقابل، وحسب رئيس الشركة المذكورة، فإنّ "هانتر" كان وسيطا بين الشركة وأبيه نائب الرئيس الأمريكي.  ولذا ما أن تمكنت ضغوط بايدن من إقالة "فيكتور شوكين" حتى أرسلت الشركة إلى "جو بايدن" عشرة ملايين دولار (حسب مكتب التحقيقات الفيدرالي المعروفة باسم أف دي – 1023) مقابل ضغوطه التي وصلت إلى حدّ أنّ "جو بايدن" هدّدَ رؤساء أوكرانيا بأنّ أي إجراء ضدّ شركة "بوريسما هولدينغ" سيؤدي إلى توقف الدعم المالي الذي تقدمه واشنطن لكييف وقدره مليار دولار. ولم تقتصر جرائم "تضارب المصالح" التي تورّطّ فيها "جو بايدن" من خلال ابنه "هانتر" متعاطي المخدرات والهارب من الجيش ومن دفع الضرائب، فبين سنتي 2013 و 2016، شغل مقعدا في مجلس إدارة شركة الأسهم الخاصة الصينية "بي إتش آر بارتنزر"، أولا كعضو بلا أجْر ثم ليمتلك لاحقا حصة 10 بالمئة من أسهمها. وما أن غادر "جو بايدن" البيت الأبيض سنة 2017، حتى دخل "هانتر" في شراكة مع الملياردير الصيني "يي جيان مينغ" - قطب النفط - في مشروع للغاز الطبيعي في لويزيانا، لكنّ الصفقة انهارت بعد أن أقدمت السلطات الصينية على اعتقال  "يي جيان مينغ " بتهم فساد ثمّ اختفى ذكره بعد ذلك.

هذا المجرم الفاسد "جو بايدن" بيديه ونيوبه الملطّخة بدماء شعوب العالم من أفغانستان وأوكرانيا إلى سوريا وفلسطين، نموذَجٌ واضح للنفاق السياسي الذي يعتمده فاسد قاتل لتوظيف إمكانات دولة عظمى لمصالحه الشخصية على حساب ليس مصالح نمط حياة المواطن الأمريكي فقط  بل على حساب حقوق شعوب أخرى في الحياة الحرة الكريمة كالشعبين الفلسطيني والأوكراني.