كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

نور الدين محمد: العلويون في مواجهة التجني

لماذا هذه الهجمة الشرسة والمتوحشة على الطائفة العلوية في سوريا؟!

وما هو الخطرُ الذي تُشَكِّلُه هذه الطائفة على أعداء الوطن؟

ينتسبُ العلويون إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام استناداً إلى حديثٍ شريف قاله النبي (ص) أثناء رجوعه من حجة الوداع في موقع يُدعى (غدير خم)، ونصُّ الحديث:

(من كنتُ مولاه فهذا عليُّ مولاه, اللهمَّ والِ من والاه وعادِ من عاداه). وعند سماع الخليفة عمر بن الخطاب (رض) حديثَ النبي اتَّجه نحو الإمام علي وقال له: (هنيئاً لكَ ياابن أبي طالب, أصبحتَ مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة).

حديثُ الرسول رواه 110 صحابياً و84 تابعياً كما رواه 360 عالماً من علماء المسلمين, المصادر التي روت حديث النبي وكلام الخليفة عمر بن الخطاب كثيرة منها: ابن عساكر الشافعي ـ مسند أحمد بن حنبل ـ الخوارزمي الحنفي ـ الحاوي للفتاوي للسيوطي ـ ذخائر العقبي ـ تاريخ الإسلام للذهبي ـ الزرندي الحنفي ـ سبط ابن الجوزي ـ كنز العمال ـ الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني ـ الألباني ـ الاستيعاب ـ تفسير الثعلبي ... الخ. وكلها مصادر لعلماء أهل السُنَّة الأفاضل.

فالعلويون هم شيعةٌ إمامية اثني عشرية، لكنهم أيضاً أوجدوا لأنفسهم طريقةً صوفية عرفانية خاصة بهم كما فعل إخوانُهم أهلُ السنة في تشكيل طرق صوفية عرفانية كطريقة الشيخ محي الدين بن العربي والطريقة النقشبندية والرفاعية والحلاجية والتيجانية... الخ.

والطريقة الصوفية العلوية ليست سراً كما يتوهم البعض، ومن يريد الإطلاع عليها بهدوءٍ وروية أنصحُه بقراءة كتاب (معرفةُ الله والمكزون السنجاري) للأستاذ الباحث الدكتور أسعد علي وهو متوفرُ في مكتباتِ سورية ولبنان.

قاتلَ العلويون دفاعاً عن الأمة السورية بقيادة "سيف الدولة الحمداني" ضد هجمات الروم وكانت الخناجرُ في ظهورِهم كما قال المتنبي:

وسوى الروم خلفَ ظهرِك رومٌ      فعلى أي جانبيك تميلُ

تُعتَبَر الفترة من 1148 م إلى 1516 م فترةَ نكباتٍ متلاحقة للشيعة بشكل عام وللعلويين بشكل خاص أُهدرت فيها دماءٌ بريئة بفتاوى الجهل والتخلف.

بعد معركة مرج دابق 1516 م تعرّض العلويون لمذابح مروّعة على يد العثمانيين، ومن بقي منهم على قيدِ الحياة تركَ حلب والأراضي السهلية والتجأ إلى الجبال يحملون معهم القرآن الكريم ونهجَ البلاغة.

أولُّ ثورة قامت ضد فرنسا بعد احتلالها سورية كانت ثورةُ العلويين بقيادة الشيخ المجاهد صالح العلي، وبعد الاستقلال بقي الريف السوري مهملاً بما فيه الريف العلوي حتى عام 1963.

بعد تولي الرئيس الراحل حافظ الأسد السلطةَ في سوريا عام 1970 تم تسليط الضوء على العلويين وخاصة بعد حرب تشرين المجيدة التي قاتل فيها العلويون إلى جانب إخوتهم أبناء الوطن دفاعاً عن الوطن والكرامة والحقوق, وازدادَ التركيزُ على العلويين أثناء مفاوضات فك الاشتباك مع العدو الصهيوني وخاصة بعد نجاحِها على جبهة سيناء وفشلها على جبهة الجولان. يقول السيد "محمد ابراهيم كامل" وزير خارجية مصر والذي رفضَ التوقيعَ على اتفاقيات كامب ديفيد في مذكراته: السلام الضائع. ص 185:

((لم يكن الأسد مستعداً للرضوخ لالتماسات "كيسنجر" أن يُسلِّمَه قائمةً بأسماء أسرى الحرب الإسرائيليين, وبعد ست ساعات ونصف من المحادثات سافر "كيسنجر" إلى اسرائيل وهو خاوي اليدين ولم يسعني إلا أن أشعر بالأسف أنَّ سوريا لم تشارك في مبادرة السادات، وتداعى خيالي فيما كان عليه الحال لو أنَّ الأسد هو الذي تولّى المفاوضات بدلاً من السادات")).انتهى كلام السيد محمد ابراهيم كامل.

ومن المفيد بالمناسبة أن نُسجّل ماقاله الباحث الكندي الأستاذ كمال ديب (وهومن أصل لبناني) في كتابه: "أزمة في سورية" حيث ذكر: (لمدة ثلاثة أيام، في 7،و8، و9 تشرين الأول 1973، حوّلت الطائرات الإسرائيلية الجولان الى كتلةِ نارٍ كبيرة وبلغت طلعاتُها في الجولان 600 طلعةً يومياً مقارنةً ب 50 طلعة على الجبهة المصرية). انتهى كلام الأستاذ كمال.

ونتيجة الموقف الحازم للقيادة السورية وعدم التنازل عن حقوقِ الوطن أصبح واضحاً لدى الأعداء أن أحد أهم الطرق لمحاربة سورية والنيل منها والتهام حقوقها هو التركيز على أن الرئيس هو من الأقلية العلوية بغيةَ إشعال الفتنة بين المواطنين, وعندما فشلت هذه الخطوة بدأ الإخوانُ المسلمون بصراعٍ مسلح ضد النظام واستهدفوا الكفاءات العلمية ورجالَ القوات المسلحة ودوائر الدولة واللحمة الوطنية وانتهى الصراع معهم في مأساة حماه / شباط 1982/. (أنصح بقراءة كتاب السيد باتريك سيل: حافظ الأسد والصراع على الشرق الأوسط).

دخلت اسرائيلُ الصراعَ المسلح في أيار 1982 (لاحظوا بعد3 أ شهر من حوادث حماة) فقامت بغزو لبنان واتجهت قواتُها نحو الشمال محاولةً قطعَ طريق حمص - دمشق وقاتل الجيشُ السوري قتالَ الأبطال في ظروفٍ داخليةٍ وخارجيةٍ بالغة الصعوبة والقسوة , وسقط آلافُ الشهداء في الدفاع عن لبنان وخسرت سوريا / 76/ طائرة واستشهد 60 طياراً، ورغم أنَّ القوات السورية في البقاع كانت مكشوفة تماماً للطيران الحربي الإسرائيلي ورغم تواجد قوات إسرائيلية على الأرض متفوقة عدداً وعدة استطاعت سورية التصدي للهجوم الإسرائيلي ودحرِه في البقاع في معركة استمرت أربعة أيام اعتبرها العسكريون الغربيون أفضل ما قدَّمه الجيش السوري منذ إنشائه عام 1946.

وصمد السوريون ثم تشكلت المقاومة اللبنانية من كل الشرفاء في كل الطوائف بدعمٍ وتخطيط من سوريا، واستطاعت سوريا فرضَ عدم تقسيم لبنان الى دويلاتٍ طائفية.

كان سقوطُ الاتحاد السوفيتي كارثةً لسورية فهو المصدرُ الوحيد لإمداد الجيش بالسلاح اللازم ولكن الدعم المستمر للمقاومة اللبنانية أدى إلى انسحاب العدو الصهيوني من جنوب لبنان عام 2000.

بعد حرب 1973 دخلت أموالُ النفط إلى سوريا وهذا حقها وليس هبةً ولا مِنَّةً من أحد فأسعارُ البترول ارتفعت بفضل دماء شهدائها إلى أرقامٍ خيالية وحصلت سوريا على جزءٍ من حقها.

تغير الوضعُ الاجتماعي والاقتصادي بشكلٍ جذري في سوريا بعد تدفق أموال النفط وأصبحت فرصُ العمل متوفرةً في دوائر و شركات الدولة, وتم إنشاء الطرق والمطارات وشبكات الكهرباء والهاتف والسكك الحديدية والسدود والمدارس والجامعات واستصلاح الأراضي وما بُني في عشرين عاماً كان يحتاجُ إلى مائة عام (أنصح بقراءة كتاب الباحث الكندي كمال ديب: "تاريخ سورية المعاصر"), ومن الطبيعي أن يترافق تدفق الأموال مع انتشار الفساد بين أصحاب النفوس الضعيفة، ولكن الفساد انتشر بشكلٍ خطير ومتورم عند البعض ومن بين هؤلاء شريحة من العلويين لا تتعدى 2 % وأعتقد أنها نفسُ النسبة في بقية الطوائف حيث أنَّ الأغلبية العظمى من الشعب السوري بقيت شريفةً وطنيةً تريدُ أن تكسبَ عيشَها بعرقِ جبينها.

والحديث عن امتيازات استثنائية للطائفة العلوية منذ عام 1970 هو حديثُ خرافةٍ يا أم عمرو, حديثٌ يُكَذِّبُه الواقعُ و تجمعاتُ العلويين في أحزمةِ البؤسِ والفقر المحيطة بالمدنِ الكبرى. رغم كل مظاهر الفساد فقد تمَّ بناءُ دولةٍ قوية وعلاقات وطنية متشابكة وازداد عددُ سكان سوريا من 4 ملايين إلى 20 مليوناً وتحولت سورية من لعبةٍ بيد الآخرين إلى لاعبٍ قوي يفرضُ شروطَه ووجودَه، وعند ذلك أتت الأوامرُ من جديد لتمزيق البلد من الداخل.

ليست الطائفة العلويةُ مُوَحّدّة سياسياً ففيها شيوعيون وناصريون وبعثيون وقوميون سوريون.. ودخل العلويون السجون منذ عام 1970 كما دخلها غيرهم وإذا أخذنا نسبةَ عدد السكان بعين الإعتبار فعدد العلويين الذين دخلوا السجون كان الأكبر، ولكن من الضروري قول كلمة حق وهي أن استمرار العمل بقانون الطوارئ الذي صدر عام 1963 كان كارثةً حقيقية للسوريين.

اكتشف الغربُ الاستعماري أنَّ الطريق الوحيد لإسقاط "سوريا" و "أوغاريت" هي الحربُ الأهلية, ومن هنا بدأ التركيز الإعلامي المُضَلِّل والمتوحّش على تحميل العلويين كل التبعات والسلبيات والتجاوزات التي قام بها الفاسدون منهم ومن غيرهم وبتعاون الريال والدولار والفكر المتخلف والمحطات المتصهينة تم تحقيق الكثير من النجاح.

التزمَ العلويون بصبرٍ عجيب وصمودٍ مشرف فلم تُطلق كلمةٌ طائفيةٌ واحدة ضد قتلهم على الهوية ولمدة أكثر من 5 سنوات وفي كل مراسم تشييع عشرات آلاف الشهداء كان الشعار الذي تردده النساء والرجال: فداك يا سوريا.

أنا أعتقد أن أكبر خطأ يمكن أن ترتكبَه الطائفةُ العلوية هو أن تخرجَ عن صبرِها وصمودِها. عليها أن تتحمّل وتقدّم المزيدَ من الشهداء مع كافة الشرفاء من الطوائف الأخرى, فوحدة "سوريا" تتطلبُ ذلك و "سوريا" تستحقُ ذلك, وسيكتبُ التاريخُ لهذه الطائفة المظلومة أنها بالإشتراك مع شرفاءِ الوطن حافظت على وحدتِه أرضاً وشعباً, وغيّرت مجرى التاريخ البشري... نعم مجرى التاريخ البشري بلا مبالغة.

أيُّها السوريون الشرفاء....

سوريا تُبنى وتُصان بالمبدأ المقدّس: الدِّينُ لله والوطنُ للجميع

(من كتاب: "قوارير عطر- ج2" للباحث المهندس نور الدين محمد)