في ذكرى الغياب.. عبد العزيز الموسى روائي ساخط على التفاهة.. مجبول بالحقيقة

اللقاء الأخير:
يبدأ الدكتور رستناوي حديثه قائلاً: “عندما التقيته آخر مرة في الريحانية بتركيا، قبل وفاته بعدة أشهر، كان منهكاً من وطأة المرض، مفجوعاً باستشهاد ابنه الأكبر نتيجة قصف سوق المدينة بالبراميل المتفجرة في كفرنبل، كنتُ أدرك تماماً أنه في انتظار الغروب، إذ تذوب مجسّمات الأفكار المتماسكة الأنيقة، وتتبخّر مسطّحات المنطق السائلة، لتستقرّ غيوماً على شكل حكاياتٍ تقاوم الموت وتعتاش على سيرة الأحاديث.”
خيمة البطيخ: شرارة التحوّل
كان عبد العزيز الموسى، ابن كفرنبل، يعمل في ضمان وتجارة البطيخ الأصفر، إذ لم يكن راتب الوظيفة يكفيه، وفي إحدى السنوات، حين تدهورت أسعار البطيخ وتكبّد خسائر كبيرة، جلس ساهراً في أرضه تحت خيمة بدائية بين الحقول، ثم اتخذ فجأة قراراً مصيرياً: بتقويض تلك الخيمة وترك المهنة ليتفرغ للكتابة، حينها، سمع في داخله، صوتاً يهمس: “ما لهذا خُلِقْتَ يا عبد العزيز!“، فكانت تلك اللحظة نقطة التحوّل التي دفعته إلى كتابة روايته الأولى.
اللقاء الأول بالرواية:
يقول الدكتور رستناوي: “في شتاء عام 2004، أهداني الصديق حسن الحجي رواية عائلة الحاج مبارك لكاتب سوري يُدعى عبد العزيز الموسى، لم أكن قد سمعت باسمه من قبل، كانت الرواية مشوّقة إلى حد أنني قرأتها في يوم واحد، وظلت أحداثها وشخصياتها تتناسل في ذهني لأيام بعدها.
في الصفحة الأخيرة من الرواية، وجدت رقم هاتفه مكتوباً للتواصل معه، وبعد انتهاء دوام العيادة، بادرت بالاتصال به، كان الحوار الأول بيننا دافئاً، مميزاً بصوته العميق المفعم بالشجن ووقفاته المحفّزة.
اتفقنا على أن أزوره في بلدته كفرنبل، القريبة من بلدة مورك، مسقط رأسي، ورغم أن المسافة بين البلدتين لا تتجاوز 30 كيلومتراً، إلا أنني لم أسمع به من قبل، وربما كذلك معظم المثقفين السوريين آنذاك”.
كاتب مغمور رغم الجوائز:
يروي الدكتور رستناوي أن رواية عائلة الحاج مبارك فازت بجائزة نجيب محفوظ – المرتبة الثانية، والمفارقة أن الصحف السورية حينها كانت مشغولة بخبر فوز الروائي حسن حميد بالجائزة نفسها (المرتبة الثالثة) عن روايته جسر بنات يعقوب، وسط احتفاء واسع ومقابلات متعددة، أما عبد العزيز الموسى، فلم يُذكر اسمه لا من قريب ولا من بعيد، وقد تبيّن لاحقاً أن هذا التهميش كان بسبب موقفه المعارض للسلطة الأسدية وابتعاده عن العلاقات النفعية السائدة في الوسط الثقافي.
الروائي والحفر الثقافي
يأخذك عبد العزيز الموسى في رواياته، كما يقول الدكتور رستناوي، ”إلى تفاصيل المكان والبيئة بكل مفرداتها وتعابيرها، كاشفاً التاريخ الاجتماعي للمدينة السورية وعلاقتها بالريف، ومن خلال قراءة أعماله، يبرز مستوى ثقافي رفيع لا يُصرّح عن نفسه مباشرة، لكنه حاضر بعمق في نسيج النص".
“في روايته بغل الطاحون، يقدم الموسى تحليلاً نفسياً دقيقاً لشخصية البطل فضلو (عبد الفضيل)، وهو مسؤول حكومي رفيع يخفي خلف إنجازاته عقدة دونية قديمة تجلّت في عنانةٍ مزمنة.
الرواية، بتركيبها البسيط المعقّد، توازي في عمقها قراءة في كتاب للتحليل النفسي، إذ تتقاطع فيها الأبوّة الاجتماعية والبيولوجية، وتُطرح تساؤلات حول النسب والهوية، ما يجعل المقاربة الفرويدية غير كافية، ويفتح الباب أمام قراءات أسطورية واجتماعية متعددة.
في ضيافة عبد العزيز في كفرنبل “عندما قصدت كفرنبل لزيارته، كنت أسأل المارة عن بيته، إذ لم تكن خرائط غوغل متاحة بعد، لم يعرفه أحد بالاسم، حتى قال لي أحدهم: هل تقصد عبد العزيز الشاكر، تاجر البطيخ؟ أجبته: ربما، هو مدرس فلسفة وكاتب، لاحقًا علمت أن الناس يعرفونه باسم عبد العزيز الشاكر لا الموسى".
“يقول الدكتور رستناوي: “كان بيته في كفرنبل أشبه بمنتدى ثقافي، إذ اجتمعنا كثيراً للسهر والنقاش مع نخبة من الأدباء، مثل عبد الرحمن الإبراهيم، ماجد الأسود، محمد الشيخ علي، أحمد جدعان الشايب، طالب هماش، عباس حيروقة، هايل الطالب، خطيب بدله، مظهر العوض وغيرهم، واستمر تواصلنا بعد مغادرتي سوريا عام 2008 عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
*رنا بدري سلوم- جريدة الثورة، تاريخ النشر أوكتوبر 26- 2025، الشكر موصول للصحفية والكاتبة رنا سلوم على هذا الاحتفاء بالروائي الراحل عبد العزيز الموسى.
*إصدارات الروائي عبد العزيز الموسى
عائلة الحاج مبارك (1996)
– جائزة نجيب محفوظ، المرتبة الثانية (1999)
الغراب الأعصم (1997)
بغل الطاحون (1998)
جبّ الرمان (2000)
– جائزة المزرعة (2001)
الجوخي (2002)، جرجرة (اتحاد الكتاب العرب، 2011)
مسمار السماء (دار كلمات، الشارقة، 2016)
بنت الشنفراني (دار كلمات، الشارقة، 2017)
كاهن دورا (دار نون، غازي عينتاب، 2017)

– جائزة دبي الثقافية (2008)، مجموعات لم تبصر النور بعد: رابعة الوردة الحمراء كتاب مقالات فكرية.

الثورة