الخريف

محسن سلامة

هي لحظة غفلة أمسكت فيها قلمي ظهر هذا اليوم لأكتب شيئاً عن الخريف من خلف نافذة غرفتي والسماء تكسوها النجوم الملوّنة المبعثرة أخفت شيئاً من وجه قبّة السماء الزرقاء.
قيل: جاءت تسمية الفصل بالخريف من معنى الخَرَف فساد العقل من الكِبَر في السنّ عند البشر، وفصل الخريف لا يبعد من هذا المعنى حيث تُخْرَفُ فيه الثّمارُ، أي تكبر في النضج، فتُجْتَنى.
كانت العرب تقول عند قدومه: جاء فصل مطر القيظ، أي سقوط المطر ولمّا يزل القيظ في خيوطه الأخيرة، ثمّ سُمّي الزمان به.
ومن أقوالهم: أخرف القوم أي دخلوا في الخريف، أخرفتِ الأرضُ أصابها مطر الخريف، والخريف الساقية، الرّطب المجنيّ،
يقول عالم اللغة العربيّة الأوّل الأصمعيّ: أرضٌ مخروفةٌ أي أصابها مطر الخريف، حتّى عبارة الخرافة أخذت معنى الحديث المُسْتَمْلَح من الكذب، الخروف ولد الضأن لأنّه يولد مع طلائع مطر الخريف.
فما أجمل هذه اللوحة من الطبيعة من نافذتي في شهر الخير قوافل زخّات المطر اشتاقتها الأرض اشتاقتها كروم الزيتون الذهب السوريّ الأسمر.
لبست الأرض سربالها القرمزيّ بكلّ أصبغةِ مزجِ الألوان صفراء بيضاء خضراء زرقاء قوس قزح امتدّ فوق بساط الأرض.
لأوّل مرّة منذ أشهر طويلة اغرورقت مقلة السماء وانهلّت بواكير عبرات خجلى على استحياء من الغيث،
لكنّها كانت فرحة الطبيعة من صيف حارّ ألهب الوجنات والخدود وضاقت به الصدور، وتشقّقت الأرض، ويبس العشب والزرع، وجفّت الينابيع، وعطش الشجر والبشر.
مرحباً بفصل هلّت بشائره سرحت غيومه في السماء فضحكت حبّات التراب ووريقات الزيتون، وهبّت النسائم العليلة الخريفيّة، وملأت الطيور قبّة السماء رافلة بألوان ريشها السحريّ تعلن هجرتها، وغاب تغريدها عن التين والعنب والنبع والنهر.
والحدائق هرب الكثير من روّادها توّاقة لتغريد الأطفال وضجيجهم ومرحهم احتوتهم مقاعد المدرسة،
لم تعد تسمع إلّا سُعال عجوز هنا وهناك، وخشخشة أوراق يابسة تعرّت من شجيرات الحديقة تلعب بها رياح الخريف،
وأُغلِقَتِ النوافذُ أثناء النوم خوفاً من لسعات البرد الناعمة، وخلع المسنّون أمثالي الثياب الصيفيّة، وارتدوا الثياب الغامقة الملوّنة تغطّي الجسد المتعب المنهك من ضربات السنين الطويلة الموجعة.
هي خاطرة بنت لحظتها بهذه العفويّة..
تنتظر خواطر قلوبكم وصفاء أرواحكم.
و نحن بالانتظار